مين يقول ان اللى فات ولى .. دا كل شىء فات ساب أثر

السبت، ٩ فبراير ٢٠٠٨

العروس


كانوا صغارا .. سمعت الطرقات أحاديثهما .. ونمت الشجيرات على ضفاف النهر بأفراحهما وأتراحهما .. وعرف كل الناس .. نعمان لنايلة، ونايلة لنعمان .. كانا طفلين .. وبين الطفولة والنضوج زمان يحمل بطياته ما تحمله الريح العاصفة فى يوم هادر .. ماضاع فيها ضاع، وما بقى يبقى أثرا غير مكتمل يحتاج الى ترميم .. فإن أهمل .. أضحى طلل .. وإن مرت عليه باقى السنين يظل على حاله سجين ما فات

كانا منذ وقت بعيد يعيشان هنا .. ومن يسمع .. يتصور أنها حكاية حب وردية .. لقد كانت قصة نعم .. وردية لا .. والناظر فى عيون أهل تلك القرية سيفهم، وسيشغله ذلك الحزن القابع .. المختبى تحت الصدور .. وذلك الحديث فى أمسيات الدور والأسطح العلوية .. خوف الصبيان الصغار أن يقربوا ذلك الضريح .. أقدم قبور أهل القرية، وأكثرها وحشة، وأكثرها لفتا للنظر .. ومن يسمع تلك القصة (نايلة ونعمان) .. أقدم قصة ترويها الجدات على الأحفاد فى ساعة تروى الأسطورة

الحب سيطغى يوما ما ليصبح أنانية

أقدم قصة .. تناقلها النسيم، ودار بها الزمان

ودار صوت الغنا والعشق موال .. عينى عاللى عشق ما نال
غابوا الأحبة، والحب بعده مازال
فاتوا الكلام بالدمع حن وسال
فاتوه يا عين، وشدو عالغربة الرحال
وآه م القلب يا خال
مانويت فى يوم أعشق .. ولكن داء العشق قتال

أينعت الصبية .. وصار الفتى رجلا .. لكنه لم يدخل بيتها .. لقد دخل مقصورة القطار لينهى دراسته الجامعية .. ليخرج من سور القرية، ويرتدى ثوب المدنية .. وعدها أن يعود، ولم يهدها شيئا لأنه من قبل قد أهداها عمره .. ودعته، ولوحت .. رغم إحساس دفنته فى أعماقها أنها آخر مرة سترى فيها نعمان الذى تعرفه .. وأدت ذلك الشعور السخيف فى مجاهل ذاكرتها، ولم تذكر سوى تلك الإبتسامة الشفافة والدمعة المترقرقة التى تعنى .... إنتظرينى

وتاهت الأرواح فى معابر السبل .. ظل الفتى هناك، ومازالت الفتاة تنتظر .. عام .. إثنان .. بل عشرة أعوام .. تعلمت فيها الفتاة القسوة .. وتعلم فيها الفتى أن ينسى

كترو خطابك يا بنية والكل دق الباب
قالوا فات الزمان واللى تريده غاب
لا هو سلو المحبة، ولا طبع أحباب
ينسوا لقيا الأحبة، ويبقى البعد غلاب

عاد .. أخبروها أنه عاد .. وعادت الروح للجسد الفارغ لتملأه .. وعادت الفرحة أحيت القلب الذى قد مات .. جثت فى مكانهما القديم، شاردة تفكر كيف تلقاه .. هرولت لمنزلها .. إرتدت نفس الثوب الذى كان يحبه .. تركت شعرها منسدلا خلفها كآخر مرة تلاقيا فيها .. ونظرت لوجهها فإذا هو قد أشرق ببهجتها .. كانت تحاول أن تسرع لتلحق بالشمس قبل أن تغيب .. كان موعدهما قبل المغيب بساعة .. ركضت حتى إنقطعت أنفاسها .. ولكن رغم لهفتها .. لم تجد أحد .. لم يضيرها الإنتظار لدقائق بعد العشر سنوات .. المهم انه قد عاد .. إنقضت نصف ساعة، ولون الكون قد بدأ يتغير، ولم يظهر أحد، حملتها قدماها للسير فى نفس الطريق نحو منزله .. سمعت صوت ذحكات ميزت فيها ضحكته، كيف لا تميزها وفيها تاه عمرها كله .. وصلت .. وبعد حين شعر الجميع بوجودها فساد صمت مطبق .. نهض من أصبح غريبا، وقد تداعت لعينيه صورتها ذكرته بأشياء قد تناساها .. ذكرته بتلك الدمعة فى يوم الرحيل .. حنين ملأ عينيها، وفى لحظة توقف سيل المشاعر عندما إستدارت لتعود، وشيئا فشيئا لتختفى
غابت الشمس أو هى على وشك الغياب .. ركض خلفها فوجدها كدأبها تنتظر .. عندما تحادثا .. لم تعرف لغته .. لقد تغير عنها سمته .. هو هو نعمان، لكنه ليس نعمانها .. فيه شىء قد تغير .. ولم تسأله عن تلك المرأة التى رأتها .. فقد أخبرها حدسها .. لقد نسيها نعمان .. لم تبك .. ولم تصرخ .. ولم تعترض .. فقط تركته يتكلم ورحلت .. فى خطى وئيدة تحركت فوق الأرض وهى لا تكاد تشعر بها .. وكل ما حولها أطياف لا معنى لها .. تكلم عن القدر، وهى تؤمن أن القدر لا يظلم .. تكلم عن النصيب، وهو يعلم أنها نصيبه وهو نصيبها .. تكلم عن التحديات، لم تخبره عن عمرها الذى راح .. تكلم عن البقاء أهل وجيران، سكتت فيها كل القدرة على الإصغاء

الحب سيطغى يوما ما ليصبح أنانية

الصمت .. سارت فى صمت، وهى تستدعى كل ما كان .. كيف ترد إليه هديته بعد أن صارت ملكا لها منذ يوم الميلاد .. كيف يأخذ منها عمره، وقد أخذ منها بالفعل عمرها .. سارت نحو الجبل .. وصارت تنادى أحدا خلف أحراش متوارية كثيفة .. صارت تنادى دون أن تعقل أو تدرى .. وجاءها رجل قيل أنه يعشقها .. وصارت له عروسا مهرها من دماء

وراح نعمان فى أرض فضاء تقرب من مكان الملتقى القديم .. راح فى وضح النهار .. وآه على من غاب دون أمل فى يوم الرجوع .. مات نعمان .. ولم يسترد منها هديته .. عمره لها ولن يأخذه .. دفن الفتى، وتفرق الناس .. وإرتدت الصبية نفس الثوب وذهبت فى نفس الميعاد .. الطرقات خاوية إلا من صوت خطواتها .. أخذت تخطو وبكل خطوة نعيم من الذكرى .. جثت الى جواره وأنت .. وإلى هذا الحين .. مازال المار الى جوار ذلك المكان قبل المغيب بدقائق يسمع ذلك الأنين .. أنين روح هائمة .. وقلب عذبه الحنين.

ودار صوت الغنا والعشق موال .. عينى عاللى عشق ما نال