مين يقول ان اللى فات ولى .. دا كل شىء فات ساب أثر

الأربعاء، ١٩ نوفمبر ٢٠٠٨

مكابرة - فدوى طوقان




أهذا أنت؟ من أى الكهوف -

بزغت يا وجها طمرناه

وألقيناه فى الغيهب، فى أعماق
ماضينا

ورحنا نشرب النسيان فى صمت
وفى صمت نعب مرارة التسليم

والإذعان للأقدار يوم هوى بنا البنيان
وإندحرت أمانينا

*****

أما كنا تشاغلنا
عن التذكار والأشواق!
وفوق كآبة الأعماق أسدلنا

ستار الرفض والكبر

وقلنا للعيون الطائشات السود -
قلنا: يا أعز عيون
صحونا، نحن بعد اليوم لن نسكر

فردى الكأس عنا يا
أعز عيون

ورحنا نخنق الإحساس نلجمه

بهذا القلب، نرجم رعشة
الإحساس والشعر

وكانت أجمل الأشعار مازالت
بهذا القلب ترعش فيه لكنا
وأدناها وقلنا لن
نريق سدى أغانينا

ولن نسقى غرور الزنبق النشوان

مهما رف، لن نسقيه
حتى غابة العطر
خنقنا نفحها فينا

وفوق كآبة الأعماق أسدلنا

ستار الرفض والكبر


*****

شغلنا عنك وانفتحت
لنا الآفاق تدعونا
تجد لنا منى أخرى

وتزرع حولنا الأفياء تمطرنا

بألف رجاء
و
قلنا: يا خلاص الروح

أخيرا قد تعافينا

فلا تحنان، لا أشواق، لا ذكرى

تنادينا


*****

فمن أى الكهوف بزغت
يا وجها عبدناه
زمانا، ثم فى أعماق ماضينا طمرناه
أ
ما كنا ذهلنا عنك حتى قيل -

لم نعرف هواك؟ فأى ينبوع

من التحنان والذكرى

من التهيام والذكرى
تفجر بغتة فينا

*****

نكابر ندعى انا
تعافينا

نكابر يا ضلال الكبر، يأبى ان

يقر الكبر انك فى قرارتنا

نداء قاهر كالموت، كالأقدار -
يأبى أن
يقر الكبر أنك لهفة أبدية -
فينا



من ديوان ( أمام الباب المغلق )

الثلاثاء، ٢٣ سبتمبر ٢٠٠٨

رائحة الحب



بعد ليلة خاصمها النوم فيها .. نهضت من فراشها مشعثة بعينان متورمتان من السهر، وربما قليل من البكاء .. نهضت فى هدوء .. وهى تتنشق رائحة الصباح بينما تسلل لونه بين رقائق شيش النافذة والشرفة .. كانت الساعة قد شارفت على السادسة .. شدت اناملها حجاباب لم تدر لونه كان ملقى على كرسى بجوار النافذة وتركته ينسدل على شعرها وفتحت شيش النافذة .. استقبلت عيناها الضوء، وملأ الصبح رئتيها وروحها .. وتلقت مسامعها أصوات همهمات الكون حين يصحو بأوراق الشجر والنسيم وطير يغرد هنا وكروان يصجدح هناك .. قد طلعت الشمس لكنها لم تسطع بعد .. فكانت الدنيا غائمة وكأنها محتجبة بغمامات السحب .. نظرت طويلا للطريق بالأسفل، وارتسمت إبتسامة على شفتيها .. اليوم ستزور الإسكندرية .. اليوم .. بعيدا عن العمل، والزحام والأعباء .. اليوم .. وإختفت إبتسامتها .. وحل فى عينيها قلق غامر .. وأمنية حزينة .. وصوت تردد على مسامعها طوال عام .. اليوم ستراه .. هناك سينتظر عند البرج المهجور .. عند آخر الممر الصخرى بالمنتزه .. طويل .. أبيض البشرة، ويتردى نظارة شمسية عريضة، وقميص بلون السماء .. تذكرت كلماته أنه ربما عليهما أن يلتقيا .. فاللقاء يحدد الكثير من الأشياء .. تعللت أنها لا تعرفه جيدا بعد .. أجاب ومن فى الدنيا يعرف الآخر .. تعللت ببعد المكان وطول السفر، أجاب أنه لايريدها ان تأتى اليه كسبب رئيسى، ولكن إن جاءت يوما فى سفر فلتضعه جزءا من جدول هذا اليوم .. تعللت بالناس ماذا يقولون .. فأجاب يسألها لماذا إفترضت أنهما فى وضع خاطىء رغم انهما لم يلتقيا بعد .. وأنهى الحديث بصورة قاطعة قائلا أنه سوف يخبرها كل شىء عنه فى تسجيل صوتى سوف يبعثه اليها فى رسالة الكترونية .. وطلب اليها أن تنقله الى هاتفها وتبدأ فى الإستماع اليه فى اللحظة التى تتحرك فيها الحافلة من مدينتها، وطلب منها تسجيل صوتى تبعثه اليه فى رسالة الكترونية أيضا تخبره فيه أشياء عنها .. تخبره أى شىء تريد .. ما تحب .. ما تكره .. آمالها ومخاوفها .. وقد تم تبادل هذه الرسائل فى الليلة الماضية .. وقبل أن يذهبا للنوم عن الساعة الواحدة بعد منتصف الليل الليلة الفائتة سألته كيف سيعرفها وهى لم تقرر ما سوف ترتديه بعد .. أجاب أنه لا يحتاج لألوان ملابسها .. لا يحتاج إلا لعينيه ليراها فيعرفها.

فكرت فى نفسها .. ياله من جنون، وحلم مغرق فى ورود وريحان .. أمن الممكن فى خضم هذا العالم ومن دون كل الناس أن تحدث قصة كهذه معها .. سألت نفسها مرارا ماذا تريد منه، وماذا يريد منها .. وفى كل مرة تمشى طريق طويل من الأفكار تعود منه خائرة العزم ضائعة أمام سدود اللامعقول و مفارقات الواقع .. وتساءلت ربما لم يزل الوقت مبكرا، ربم من الأفضل ألا تذهب، فتكمن فى حجرتها ولا تخرج، وتمسح التسجيل قبل أن تسمعه وبما أنها ساعتها لن تستطيع التحدث إليه مرة أخرى فسوف تلغيه من حسابها الإلكترونى وتلغى رسائله من بريدها، وتنساه وتنسى الخيال الذى كان منذ عام .. وهذا أضمن وأبسط وأكثر أمانا فلا تفكر ولا تنتظر ولا تتعب .. وإرتاحت قليلا عندما شعرت بالإستقرار لهذا القرار .. لكنها شعرت فجأة برغبة ملحة فى البكاء .. وتساءلت لو هذا حلم فلماذا لا تعيشه ولو ليوم واحد .. أن تكون محبة ومحبوبة أمل مغرق بالأمل .. وحياة فيها طعم ولون ورائحة .. فيها طعم الخطر ولون المغامرة ورائحة الحب .. هى لن تكون وحيدة .. ستذهب فى مجموعة من أقرانها وتعود معهم، وستخطف من يومها بضع ساعات الى جوارهم معه .. وكأنها التقته وهى لا تعرف أنها ستلتقيه .. فرد من الأفراد المنتشرين فى الأرض إصطدمت به مصادفة فى جمع فتجاذبا أطراف الحديث .. وفجأة رن جرس التنبيه فى هاتفها فإذا هى السادسة والنصف .. أسرعت تستعد للسفر .. لليوم الهادىء .. أسرعت تستعد كنجمة تتألق لإستقبال المساء.
كعادتها وصلت متأخرة عن موعد تحرك الحافلة مما استدعى أصدقائها لإنتظارها .. قفزت سلالم الحافلة شاحكة فى إعتذار وأخذت توزع الضحكات وتحيات الصباح هنا وهناك .. وسعدت بجمع من الأصحاب لم تلقهم منذ مدة طويلة فجمعتهم هذه الرحلة .. الكل هارب من ضغط الدراسة أو العمل والعبارات والأحاديث الرسمية .. عدل الجو فى الحافلة من حالتها المزاجية، وجعلهاأكثر اقبالا وتفاؤلا باليوم .. وشيئا فشيئا هدأ ضجيج التحيات والقبلات، وثار ضجيج آخر بين الغناء والتصفيق والهتافات .. وبينما انشغل أصدقاؤها فى لهوهم .. وانشغل آخرين فى حديث جانبى عن بعض الأحداث السياسية الداخلية والخارجية .. وإثنان قد استقر مقعدهما بجوار السائق إنهمكا فى دور شطرنج يشجعهما ثالث أثناء حديثه عن أنواع السيارات والموتورات مع السائق وبين حين وآخر يعلق الإثنان على اللعبة حامية الوطيس .. تسللت هى الى كرسى خلف السائق بجوار النافذة .. جلست فى وضع مريح وأرجعت رأسها الى ظهر المقعد وأخذت تنظر الى هاتفها مترددة .. وفى النهاية وصلت سماعات الرأس مطلقة العنان لصوته يملأ أذنيها ليأخذها بعيدا عن الضجيج .. لم تضع سيناريو معين لكلامه قبل ان تسمعه، ولم تستطع أن تتنبأ بما سوف يقول .. لذا فقد اسلمت أذنيها وحسها لما تسمع، وقد علقت عيناها بالطريق فى شرود ..

هل استمعت من قبل لأغنية قارئة الفنجان .. ليس كما تسمعين أى اغنية .. ولكن هل استمعت اليها وكأنها قد كتبت عنى أنا .. لم أشعر بأنها أغنيتى قبل الآن . رغم انى لم أؤمن ولن أؤمن بأى عرافة .. ولا أعترف بقرآءة الفنجان .. لكنها كلها رموز وأساطير تتجمل بها وجوه الحب والحزن والحياة والموت .. لطالما كنت انا الرجل العملى .. أحسب حياتى بلا أحلام .. أدرسها وأحصيها وأجمع الأرقام فى معادلات لتجعل حياتى أكمل .. وذات ليلة سكبت فيها فنجان قهوتى على حاسوبى، وضغطت زرا بغير قصد فبعثت برسالة بريد الكترونى إحتوت على تصاميم مشروعى الأخير الى بريد ظننته المقصود، فى اليوم التالى إستلمت رسالة مهذبة محتواها (عذرا هذا المشروع لا يخصنى .. تأكد من إرساله للبريد الصحيح) .. رسالة مهذبة أنقذت عملى وربما تكون قد أنقذتنى انا نفسى من عجلة دوارة لم ألحظ يوما أنها تتآكلنى .. وعرفتك .. كنت أنتى صاحبة الرسالة .. حرف واحد تغير فى بريد غيرنى انا ايضا .. وبعد مرور عام كامل كان كل ما بيننا أحاديث رقمية .. لم أعد أشعر بان الأرقام تكفى شيئا مما أشعر او اريد .. كنت أتمنى ان اكون انا الذى فى طريقى اليك .. أو اننا نتلاقى فى مفترق طرق فلا أحد ينتظر الآخر .. ولا أحد منا يضيع منه الوقت فى حساب الدقائق والساعات حتى نلتقى .. لكن عملى فى الميناء يجبرنى على الإنتظار وأ،ا احسب الطريق الذى تمشيه الآن وفيه تقع عيناك على أشجار ونخيل وحقول مزروعة، وعربات وبيوت وأفراد .. طريق أحاول ان اتخيله بعينى معك لكى اؤنسك فيه فلا تضيعين منى .. لا يأخذك أصحاب، ولا ضجيج ولا روعة طريق .. أحاول أن اتخيل طريقك لأمشى طريقى فى آخر الممر الصخرى بين البحرين قبل البرج القديم فى المنتزه وأنا اعلم أنك ايضا تتخيلين.

ساد صمت مطبق فى أذنيها بعد إنتهاء التسجيل الصوتى، وقد إتسعت حدقتيها محدقة فى الطريق بلا تركيز، وقد ابتل جفنيها بدمعها وهى لا تدرى ما الذى يحصل لها، وترى هل حقا هو من تريد ان يكون؟؟
بالأمس وهى تفكر ماذا تقول له، أخذتها الحيرة من فكرة الى فكرة .. وكانت أهمية هذه الرسالة الصوتية تكمن فى أنها تجمع كل المتناقضات التى فى داخلها وتحملها لذبذبات الكترونية تحمل دواخلها الحميمة .. كل هذا فى رسالة .. نعم سيسمعها بأذنيه وإحساسه كما تظن .. لكنه سيبنى ايضا من خلالها خيال أكثر ما تخشاه فيه ان يناقض الواقع .. كانت تفكر وكل ذرة من منطق فيها تتهمها بالعبث .. فأى عقل هذا يقول بأن نلتقى عبر اسلاك ودوائر رقمية وأصوات محسوسة نعم .. مرئية لا .. كيف نلتقى وقد بطل شرط من شروط اللقاء .. وعند هذه النقطة حلت فى ذهنها بضع كلمات..

ألم تسمع بنبأ تلك الفتاة .. إنها فتاة كنت اعرفها .. فتاة عادية لأسرة عادية تعيش بعيدا عن الأهواء والرغبات .. تحيا حياة عادية بلا مغامرة او مخاطرة او اشياء غير تقليدية .. تعيش فى بيت بعيد عن انواء اللامعقول .. ورغم تنائيها .. جاءتها النوة حيث تقطن .. هزتها الريح ولم تعد تدر ما العمل ولا كيف التصرف .. ظلت عام او اكثر بقليل مندهشة، ولاتزال مندهشة ولا تدرى ماذا تقول .. إنها فتاة هذا صوتها .. هذا الذى يأتيك عبر الرسالة صوت لا أعرفه تماما كما أنى لا أعرفك .. لن أسالك من انت حتى أعرفك .. فعام من صوتك أخبرنى بالكثير لكنه الكثير القليل .. ربما يفصح عنك اكثر بريدك الصوتى الأخير .. أو ربما عندما اراك حاضرا فاعرفك فى عينيك فلا اسال ثانية .. أعرف انك سوف تنتظر فى موعدنا فى ذلك المكان .. وانا لا املك ان اعطى وعدا بحضورى .. ولا املك ان اجزم بعدم الحضور .. فقط دعنا انا وانت والقدر.

قارنت فى ذهنها بين ما ارسلت وما قد ارسل .. لقد اخبر كل منهما عن اهم ما يشغل باله .. اللقاء المرتقب .. لكنه اخبرها بتشوقه، وأخبرته بمدى حذرها .. هو رغم تعقله مغامر .. وهى رغم جرأتها متحفظة .. وبينهما تتأرجح حكاية قد تبدا، وقد لا تبدا .. حكاية يحاوطها انتظار وانفعال وشىء من اللهفة .. وعلى شرودها فى طريق لم تدر ملامحه ابتسمت عندما اكتشفت كيف اخذتها كلماته التى لا تتعدى الخمس دقائق، واستعادتها آلاف المرات حتى مرت ثلاث ساعات وهى لم تشعر بمرور الوقت الا على مشارف الإسكندرية .. فلقد تغيرت رائحة الجو وبدأ الأصحاب فى إعداد اشيائهم لمغادرة الحافلة .. لقد نجح بالفعل فى ان يستحوذ على إنتباهها رغم صخب الأصحاب، واستطاع أن يرافقها طوال الطريق ويبقيها معه .. ابتسمت أكثر عندما غادرت الحافلة وهى تنظر امامها فإذا البحر ممتدا نحو الأفق، وبينه وبين الشاطىء عناق دام الى الأبد .. تارة يتسلل اليه ناعما مصطحبا حبات من رماله فى عودته .. واخرى يضرب بأمواجه خطوط الصخر فيتكسر عليها ضائعا منسحبا.
قضت بضع ساعات فى التبضع من مول شهير بالإسكندرية بصحبته بعض من اصدقائها وقد مضى الوقت فى احاديث ضاحكة وحكايات عن ذكريات طفولية ورحلات قديمة مع اشخاص آخرين .. واستوقفها بازار يبيع حلى فضية .. توقفت امامه قليلا تتامل المعروضات .. لفت انتباهها فى عارضته الزجاجية قلبا فضيا نقشت عليه حروف اللغة العربية متفرقة بخط عربى قديم وقد كان معلقا فى نهاية ميدالية فضية .. استوقفها هذا القلب الذى ظنته مجوفا لكنها حينما لامسته اناملها استشعرت ثقله بيديها .. تركته امامها تتأمله بينما أخذ البائع يحدثها عن مدى روعة تصميمه ودقته، وانه يعتبر من التحف النادرة المقلدة لتحف اصلية .. وخرجت من البازار حالمة وهى تمسك بحقيبة يدها فى حنان .. وهكذا انقضت السويعات الأولى من اليوم فى مرح .. وها هى الحافلة تعبر بوابة المنتزه .. لقد زارت الإسكندرية من قبل، وقد جاءت هنا مرات ومرات، وفى كل مرة ينتابها الإحساس الأول .. بين الأشجار والحدائق على جانبى شريط اسفلتى رفيع .. ذلك الجسر الذى يربط الحدائق بالشاطىء ثم الصخور على جانبى البحر قد كونت فى ناحية بحيرة هادئة، وفى ناحية أخرى سدا تتلاطمه الأمواج .. هذا الإحساس الملىء بالراحة والبعد عن العالم .. فى هذه البقعة يصير العالم أوسع، والناس أحلى، والسماء أصفى، والدنيا تدور دورة غير التى تحسبها .. وها هى اليوم تتذوق ذلك الإحساس وزاد عليه ترقبها .. صارت عيناها تتلفت هنا وهناك تجرى نهما للبحث عنه .. إتجهت عيناها صوب ممر البرج القديم .. مغلق كالعادة .. ورغم ذلك فقد استطاع أفراد ان يتسللوا من فتحة سقطت سهوا فى جانب السور الخشبى .. اقتربت قليلا وهى تبحث فى تأن فإذا رجل وحيد على حافة الممر معتدلا فى وقفته ضاما ذراعيه فوق صدره .. يولى وجهه شطر البحر .. شىء ما بداخلها أكد أنه هو .. صاحب الفنجان فى أغنية حليم كما ذكرها .. ولكنه بلا فنجانه ولا العرافة ولا حتى صوت حليم .. فقط هو امامها يبدو فى ضياء الشمس وكأنه ظلال إنسان .. وكم منتها الأمانى بسعادة حقيقية عندما إلتفت ببطء نحوها فلاحظها، وإفتر ثغره عن إبتسامة واسعة توحى بأنه ميزها .. إنها هى تلك التى لم ترفض ولم تعده بالمجىء .. وها هو قدرها الذى حملها لكى تتنسم شيئا من تلك الرائحة التى تعرفها حين تغمر المكان .. وفى خطواته الواثقة التى أخذ يخطو بها اليها .. أخذت تقترب منها الحياة بمعان شتى .. مازال يقترب والشمس خلفه تضىء وجوده لكنها تخفى ملامحه إلا تلك الإبتسامة البيضاء .. فصار يخطو اليها وكأنه واقع غائب تخشى أن يتلاشى فى لحظات.

الثلاثاء، ٢٠ مايو ٢٠٠٨



وعلمينى الشعر .. فقد تحتاج بنت ما لأغنية لبعيدها


خذنى ولو قسرا إليك


وضع منامى بيديك



محمود درويش

الأحد، ٤ مايو ٢٠٠٨

حزينة



مش عارفة ليه خطر ببالى أقول انى حزينة .. جايز علشان ترس الحياة الدوار خلاص بيفرمنى .. جايز .. جايز علشان فجأة حسيت بمنتهى الفراغ رغم منتهى الإنشغال .. فراغ الروح لعنة

لما بتأمل حياتى بشوف بنت فى العشرينات ورغم انها بس فى العشرينات لكن وكأنها فات عليها عمر كتييييييييييييير

بقالى كتير جدا ماكتبتش بوست .. وبقالى كتير مافيش جملة بتتجمع على بعضها علشان تتكتب .. مشغولة .. مطحونة .. تايهة .. بستعبط على روحى وبستخبى فى الشغل والمذاكرة لحد ماقع من التعب وانام وأصحى أستعبط من تانى على روحى وأستخبى فى الشغل والمذاكرة لحد ماقع من التعب وانام وأصحى أستعبط .................... الخ

فى عز ماكل الناس كانت بتصرخ على الإضراب وعلى إسراء وعلى الولد دا اللى نسيت اسمه لأن مابقاش عندى ذاكرة أصلا.. الولد اللى واجه رئيس الوزراء تحت قبة جامعة القاهرة .. ومن قبلها مشاكل العيش وللمفارقة الضاحكة اطلب منى فى الجامعة أعمل بحث عن مشكلة رغيف العيش وجبت داتا وقعدت درست وفى الآخر إتصدمت والحل لاقيت اللى بيقولوه ناس عمرهم مادرسوا اقتصاد ولا هم متخصصين زراعة ولا غيره .. مكناش قادرين يا متخصصين نحل المشكلة من قبل ما تبقى كارثة؟؟؟ .. ومن قبلها الناس هرت خدودها لطم على اللى بيحصل فى غزة .. أستغفر الله العظيم .. من كتر البكا مابقيناش بنبكى .. فى عز كل ده لاقيتنى مش مهتمة .. حسيت انى باردة وعندى لامبالاة .. وخصوصا لما مشاكل الإضراب دى زادت قوى وحبس وبهدلة ويييييييي .. قلت ليه كل الناس بتعمل كدة .. ليه نبطل شغل .. نبطل نشترى ماشى لكن نبطل شغل ليه .. نعد فى بيوتنا .. طب وبعدين .. كل حاجة غالية والغذا مش موجود والتعليم زفت والمستشفيات ربنا يعافينا يارب والدنيا بقى لونها مش كحلى دا بقى إسود غطيس


وشششش فى دماغى كبيييييير .. وحزن أكبر .. مش عارفة دى حالة عامة .. ولا أنا اللى دماغى باظت؟؟! .. يلا زى ما تيجى بقى .. وسورى على الكآبة

السبت، ٩ فبراير ٢٠٠٨

العروس


كانوا صغارا .. سمعت الطرقات أحاديثهما .. ونمت الشجيرات على ضفاف النهر بأفراحهما وأتراحهما .. وعرف كل الناس .. نعمان لنايلة، ونايلة لنعمان .. كانا طفلين .. وبين الطفولة والنضوج زمان يحمل بطياته ما تحمله الريح العاصفة فى يوم هادر .. ماضاع فيها ضاع، وما بقى يبقى أثرا غير مكتمل يحتاج الى ترميم .. فإن أهمل .. أضحى طلل .. وإن مرت عليه باقى السنين يظل على حاله سجين ما فات

كانا منذ وقت بعيد يعيشان هنا .. ومن يسمع .. يتصور أنها حكاية حب وردية .. لقد كانت قصة نعم .. وردية لا .. والناظر فى عيون أهل تلك القرية سيفهم، وسيشغله ذلك الحزن القابع .. المختبى تحت الصدور .. وذلك الحديث فى أمسيات الدور والأسطح العلوية .. خوف الصبيان الصغار أن يقربوا ذلك الضريح .. أقدم قبور أهل القرية، وأكثرها وحشة، وأكثرها لفتا للنظر .. ومن يسمع تلك القصة (نايلة ونعمان) .. أقدم قصة ترويها الجدات على الأحفاد فى ساعة تروى الأسطورة

الحب سيطغى يوما ما ليصبح أنانية

أقدم قصة .. تناقلها النسيم، ودار بها الزمان

ودار صوت الغنا والعشق موال .. عينى عاللى عشق ما نال
غابوا الأحبة، والحب بعده مازال
فاتوا الكلام بالدمع حن وسال
فاتوه يا عين، وشدو عالغربة الرحال
وآه م القلب يا خال
مانويت فى يوم أعشق .. ولكن داء العشق قتال

أينعت الصبية .. وصار الفتى رجلا .. لكنه لم يدخل بيتها .. لقد دخل مقصورة القطار لينهى دراسته الجامعية .. ليخرج من سور القرية، ويرتدى ثوب المدنية .. وعدها أن يعود، ولم يهدها شيئا لأنه من قبل قد أهداها عمره .. ودعته، ولوحت .. رغم إحساس دفنته فى أعماقها أنها آخر مرة سترى فيها نعمان الذى تعرفه .. وأدت ذلك الشعور السخيف فى مجاهل ذاكرتها، ولم تذكر سوى تلك الإبتسامة الشفافة والدمعة المترقرقة التى تعنى .... إنتظرينى

وتاهت الأرواح فى معابر السبل .. ظل الفتى هناك، ومازالت الفتاة تنتظر .. عام .. إثنان .. بل عشرة أعوام .. تعلمت فيها الفتاة القسوة .. وتعلم فيها الفتى أن ينسى

كترو خطابك يا بنية والكل دق الباب
قالوا فات الزمان واللى تريده غاب
لا هو سلو المحبة، ولا طبع أحباب
ينسوا لقيا الأحبة، ويبقى البعد غلاب

عاد .. أخبروها أنه عاد .. وعادت الروح للجسد الفارغ لتملأه .. وعادت الفرحة أحيت القلب الذى قد مات .. جثت فى مكانهما القديم، شاردة تفكر كيف تلقاه .. هرولت لمنزلها .. إرتدت نفس الثوب الذى كان يحبه .. تركت شعرها منسدلا خلفها كآخر مرة تلاقيا فيها .. ونظرت لوجهها فإذا هو قد أشرق ببهجتها .. كانت تحاول أن تسرع لتلحق بالشمس قبل أن تغيب .. كان موعدهما قبل المغيب بساعة .. ركضت حتى إنقطعت أنفاسها .. ولكن رغم لهفتها .. لم تجد أحد .. لم يضيرها الإنتظار لدقائق بعد العشر سنوات .. المهم انه قد عاد .. إنقضت نصف ساعة، ولون الكون قد بدأ يتغير، ولم يظهر أحد، حملتها قدماها للسير فى نفس الطريق نحو منزله .. سمعت صوت ذحكات ميزت فيها ضحكته، كيف لا تميزها وفيها تاه عمرها كله .. وصلت .. وبعد حين شعر الجميع بوجودها فساد صمت مطبق .. نهض من أصبح غريبا، وقد تداعت لعينيه صورتها ذكرته بأشياء قد تناساها .. ذكرته بتلك الدمعة فى يوم الرحيل .. حنين ملأ عينيها، وفى لحظة توقف سيل المشاعر عندما إستدارت لتعود، وشيئا فشيئا لتختفى
غابت الشمس أو هى على وشك الغياب .. ركض خلفها فوجدها كدأبها تنتظر .. عندما تحادثا .. لم تعرف لغته .. لقد تغير عنها سمته .. هو هو نعمان، لكنه ليس نعمانها .. فيه شىء قد تغير .. ولم تسأله عن تلك المرأة التى رأتها .. فقد أخبرها حدسها .. لقد نسيها نعمان .. لم تبك .. ولم تصرخ .. ولم تعترض .. فقط تركته يتكلم ورحلت .. فى خطى وئيدة تحركت فوق الأرض وهى لا تكاد تشعر بها .. وكل ما حولها أطياف لا معنى لها .. تكلم عن القدر، وهى تؤمن أن القدر لا يظلم .. تكلم عن النصيب، وهو يعلم أنها نصيبه وهو نصيبها .. تكلم عن التحديات، لم تخبره عن عمرها الذى راح .. تكلم عن البقاء أهل وجيران، سكتت فيها كل القدرة على الإصغاء

الحب سيطغى يوما ما ليصبح أنانية

الصمت .. سارت فى صمت، وهى تستدعى كل ما كان .. كيف ترد إليه هديته بعد أن صارت ملكا لها منذ يوم الميلاد .. كيف يأخذ منها عمره، وقد أخذ منها بالفعل عمرها .. سارت نحو الجبل .. وصارت تنادى أحدا خلف أحراش متوارية كثيفة .. صارت تنادى دون أن تعقل أو تدرى .. وجاءها رجل قيل أنه يعشقها .. وصارت له عروسا مهرها من دماء

وراح نعمان فى أرض فضاء تقرب من مكان الملتقى القديم .. راح فى وضح النهار .. وآه على من غاب دون أمل فى يوم الرجوع .. مات نعمان .. ولم يسترد منها هديته .. عمره لها ولن يأخذه .. دفن الفتى، وتفرق الناس .. وإرتدت الصبية نفس الثوب وذهبت فى نفس الميعاد .. الطرقات خاوية إلا من صوت خطواتها .. أخذت تخطو وبكل خطوة نعيم من الذكرى .. جثت الى جواره وأنت .. وإلى هذا الحين .. مازال المار الى جوار ذلك المكان قبل المغيب بدقائق يسمع ذلك الأنين .. أنين روح هائمة .. وقلب عذبه الحنين.

ودار صوت الغنا والعشق موال .. عينى عاللى عشق ما نال