مين يقول ان اللى فات ولى .. دا كل شىء فات ساب أثر

الأربعاء، ٥ ديسمبر ٢٠٠٧

ساعة




قد حملنا الحب فى دواخلنا وقد نسيناه .. وإنشغلنا فى فراغ غير متناه حتى نسينا اننا يوما قد حملناه


ترى من يسمع صفير الريح الحارة فى طريق مشمس تناثرت على جنباته شجيرات وأوراق خضراء يانعة تتباهى بحسنها رغم الجو الخانق .. ليس غريبا ألا يسمع ذلك الصفير أحد .. فكل أهل البلدة إما نيام أو واقعين تحت تأثير مخدر الماء البارد فيبتلون ويبتلون حتى تظنهم فى طريقهم الى الذوبان .. هدأت الحركة فى كل مكان إلا على الطريق الفرعى المطل على البحيرة حيث توقفت سيارة أجرة أخذ محركها فى الصياح المزعج بينما إنشغل السائق فى محاسبة زبونته التى أجزلت له العطاء فى البقشيش حتى ذكرها فى نفسه على أنها من الأثرياء، وقد فوجىء بها تطلب إليه أن ينتظرها قليلا فسوف تعود معه، وقبل أن يعترض بادرت قائلة أنها سوف تعطيه ما يشاء .. فحدثته نفسه ألا بأس بما أنه سيأخذ ما يريد، كما أنها سوف تريحه من عناء اللف فى طرقات خالية فى مثل هذه الساعة فى محاولة فاشلة لإصطياد زبون ليقله إلى مكان ما .. فأطفأ السائق محرك السيارة، وإضطجع فى كرسيه بوضع وجده مريحا لينتظرها حتى تعود .. بينما سلكت الشابة طريقها فوق العشب على جانب هابط من الطريق فى محاولة للإقتراب من البحيرة .. وقد تساءل السائق فى نفسه ترى ماذا تفعل فتاة مثلها فى مكان كهذا فى مثل هذا الوقت .. ثم إبتسم فى خبث لنفسه وأومأ برأسه وكأنه عثر على شفرة هذا السر، وأكد أنها هنا على موعد مع شريك .. وما هى إلا لحظات حتى يصبح هو الشاهد الوحيد على موعدها الغرامى


دارت كل هذه الأفكار فى ذهن السائق الفضولى بينما إجتازت "حور" طريقها نحو البحيرة، وكانت كلما إقتربت كلما تذكرت نفسها .. تلك الصغيرة ذات الشعر الأسود القصير التى تعبث بحشاش الأرض قرب البحيرة .. إنها تعبث حقا لكنها لا تحاول مجرد المحاولة أن تبتل بالماء .. ربما لأنها تكره أن تبتل ملابسها، وربما لأنها تخاف البحيرة .. فلطالما سمعتها تناديها، وآلاف المرات قد كذبت أذنيها وسدتهما .. لكن أصداء النداء لا تلبث تعاودها هاتفة لها فتمشى مسيرة نحو البحيرة وتكتفى بالتحديق بها ثم الجلوس شاردة بينما تمتد أناملها بحركة لا إرادية لتعبث بزهرة أو عود أخضر .. ففى ذلك الوقت من كل عام كان الجميع يهربون من حرارة الجو الى بيوتهم عداها هى .. ففى ظل الفراغ الكبير الذى تخلفه الإجازة الصيفية فى نفسها كانت دائما ما تهرب الى البحيرة لتلهو على حافتها بالضبط كما وجدت نفسها الآن، وبعد مرور عشرة أعوام منذ إنهائها دراستها الثانوية ورحيلها عن المكان .. جاءت اليوم وهى تتذكر طفولتها الأولى، والأيام البكر .. تلك الأيام الصغيرة التى بدا فيها كل شىء متضخما، ولكنه لم يكن كذلك.. إنما يكمن السر فى قامتها التى لم تستطل بعد، فكانت معظم الأشياء بعيدة عنها تنظر إليها من أسفل .. مقابض الأبواب، صنبور المياه، المرآه فوق الصنبور والتى يهذب فيها والدها لحيته كل صباح .. تذكرت والديها .. ففى ذلك العمر بدت كل الأشياء بعيدة جدا عن أناملها لكنها بندائها أبى أو أمى .. كانت تنال ما تريد .. هى ربيبة أبوين محبين أحيانا ما عمدا إلى شىء من الشدة فى تربيتها .. وقتها لم تعرف سببا .. لكنها الآن تفهم .. إنها تعى أن العالم يكتظ بالشرور والمساوئ، وقد أراد لها والداها درعا لينأى بها عنها


جلست" حور" تتأمل البحيرة وأناملها تعبث بالحشائش .. وتساءلت ترى ماذا تعنى البحيرة لها .. أهى رمز لحياتها تتراكم فيها الأحجار المقذوفة حجرا تلو الآخر حتى يأتيها يوم تردم .. ولهذا جاءتها بعد طول غياب، ولهذا كانت تظن دائما أنها كانت تناديها.. ربما جاءتها اليوم لتواسى نفسها بأن ها هى البحيرة لم تزل باقية .. رغم كم الأحجار التى القاها ويلقيها وسوف يلقيها الناس فيها .. فتبتلعها كدأبها فى دوامات السطح بينما يستكين الحجر فى القاع لا حول له ولا قوة .. هكذا هى أحزانها وهمومها فيها .. وربما جاءت لتلقى بالبحيرة الحجر الأكبر .. أو لنقل لتسر اليها بعدم قدرتها على الإحتمال .. وربما جاءت لأنها فقط أرادت المجىء لتنسى نفسها ولو ساعة .. فتخرج من ثوبها الذى تعرفه ويعرفها الناس به لتكون للمرة الأولى منذ زمن بعيد على سجيتها هى، فتخلع أقنعة الهناءة وراحة البال، وتنزع الإبتسامة، وتذيب التجلد من عينيها .. فيصبح وجهها كما تعرفه فى مرآتها بلا تجميل .. جاءت لساعة لتستمتع بمعنى السكون، وترتاح فيها من ضجيج الكون وأصواته وحركاته وهمزاته ولمزاته .. تبتعد عن مشكلاتها مع أقاربها حول إصرارها أن تعيش فى شقة والديها رغم أن بيوت أعمامها وعماتها، أخوالها وخالاتها مفتوحة على مصراعيها لها .. لكنها تصر وتستمر تجادل وتناقش فى أنها تريد أن تحيا فى بيتها، وترجو ألا يفسد عليها هذا الأمر علاقتها بهم، فهم لها وهى لهم .. ويجادلون ويناقشون كيف تعيش فتاة فى مثل سنها وحيدة بعد وفاة والديها، ستأكل ألسنة الناس وجوههم .. ويهددون بالقطيعة ولازالت تجادل وتناقش وتحاول فحينا تستميل فردا وحينا ينفر منها آخر .. تبتعد عن وجوه الطامعين في مكان عملها .. فى الحافلة التى تستقلها .. فى السوبر ماركت القريب الى بيتها .. رجال متزوجين وغير متزوجين .. أصبح مجرد حديثهم معها نوع من أنواع اللذة التى يستطيبونها، وكأنها كسر لملل حياتهم اليومية .. وهى قد احتارت فى التفسيرات والتبريرات ولم تعد تستطيع التفرقة بين الباحث عن التسلية فى كلمة أو حوار أو موقف، وبين الشهم حقا والذى يبغى خيرها .. تبتعد قليلا حتى عن أصدقائها وعالمهم الذى تحبه لأنها تريد أن تشتاق اليهم فتحبهم أكثر ويفتقدونها لتعود إليهم فترى فى أعينهم نظرة الحب الخالص البرىء الذى يجمع القلوب الصديقة على وفاء وود .. جاءت الى هنا لتبتعد أقصى البعد عن ظمأها للحب .. لتبتعد عن الذكرى التى تلح .. عن إلهامه الذى تراه فى كلماتها، وتختلقه فى ردود أفعالها .. لتبتعد عن القصة الوحيدة التى شعرت فيها أنها ظالمة ومظلومة .. ظالمة لأنها إعتقدت أنها تصلح له .. ومظلومة لأنها أحبته.. ورغم سنين العمر التى مرت .. لا زالت تتآكلها الأفكار والتكهنات التى قد تدور بخياله بعد أن إنتهيا .. ترى كيف يفكر .. إنها تهتم بشدة لصورتها لديه حتى بعد التنائى .. حتى بعد تشتت السبل اللانهائى .. لازالت تتوق لمعرفة كيف هى فى عينيه .. هل يلومها لأنها أغوته ببراءتها .. هل يحملها ذنب تصريحه بالحب لأنها شجعته بنظرتها المستكينة وصمتها الدائم أمامه .. هل إنتقص من قدرها لديه شيئا لأنه حين فاتحها فى رغبته فى الإرتباط بها طوال العمر لم تتردد، ولم تطلب ثوان لتفكر .. لم تتدلل .. بل أحنت الرأس وأومأت بالإيجاب البسيط .. هل كان قلبها سهل المنال بالنسبة له .. هل صدقها هو ما جعلها تفقده .. ومن يستطيع أن يحدث عن الإفتقاد قدرها هى .. رغم أنها لم تعد تبكى .. رغم انها لم تعد تذكر أين ومتى وكيف .. لكنه مازال يدوى بداخلها كناقوس أبدى حكم عليها به للعذاب .. لم تعد تراه فى كل الناس .. ولكن أصبح الناس وكأن لا وجود لهم .. تتناثر الأيام حولها وهى تفتش عن لحظات للمرح والسعادة .. تفتش عن لحظات لا يكون هو فيها .. تحاول جاهدة لتكمل المسيرة .. فقد أخطأت حينما صبت حياتها بأكملها فى قالبه .. أخطأت لأنها تغافلت حقيقة أن حياتها كالزئبق .. قد تأخذ شكل القالب لكنها سرعان ما تنساب متسللة من أى شق قد يهمله هذا القالب .. ولكنه لم يكن مجرد شق .. قد كان صدعا أفلتت منه حياتها نوبة واحدة .. وفجأة وجدت نفسها من دون هذا الذى تعرفه .. تتساءل هل تستطيع يوما أن تتقولب فى أحد غيره .. هل تدرك ماذا تريد .. من تريد ومن لا تريد .. كلها أسئلة أصابتها بتعب شاق تلاحقت أيامها به حتى مرت خمس سنوات وهى لا تزال كما هى .. ربما لم تعد تحبه .. ربما لا تذكر يوما لهما معا .. لكنها مسجونة فى سجن الخوف أن تحاول عبوره .. فتكون كمن نجا من حفرة ليقع فى اليم


توقفت أناملها عن العبث، وأغمضت جفنيها من التعب ثم فتحتهما على البحيرة، وتنفست .. ثم نظرت إلى السماء فى تضرع المنتظر


مر الوقت على السائق فى عربته وئيدا مما جعله يشعر بالندم على موافقته على إنتظارها، وقد هم بالرحيل أكثر من مرة .. لكن ضميره كان يوسعه لوما وعتابا .. فكيف لمثل هذه الشابة أن تعود وحيدة إلى المدينة والطريق يكاد يكون مقفرا خاصة والظلام سوف يحل قريبا .. فكان يصبر نفسه تارة بالعبث بقنوات الراديو .. وتارة بإشعال سيجارة .. وأخرى بالروحة والجيئة أمام سيارته لعله يراها فيدعوها للرحيل .. لكن أكثر ما كان يود أن يراه هو ذلك الرجل الذى تأتى مثل هذه الفتاة إليه فى هذا المكان وفى ذلك الوقت .. من المؤكد انه رجل غير عادى .. ولأن نفسه الفضولية لا تهدأ .. فقد أغلق سيارته جيدا ثم سار على نفس خطاها فى الطريق الذى سلكته، وما هى إلا بضع خطوات حتى أطل برأسه من عل فرآها جالسة فى هدوء توليه ظهرها .. ولمبلغ دهشته فقد كانت وحيدة .. لم يكن يجالسها أحد .. إرتفع حاجبيه وجحظت عيناه من عمق الدهشة، وطأطأ رأسه لبرهة ثم فوجىء بها تنهض وتنفض ما علق بثوبها من الحشائش وتستدير لتعود .. فأسرع عائدا إلى سيارته وأخذ يلعن ذلك الشخص الذى جاء بها الى هنا ولم يأت .. وفجأة تساءل، وإذا لم تكن على موعد مع أحد فلماذا تأتى إلى هنا بلا سبب؟ .. إن مثل هذه الفتاة آخر ما قد توصف به هو الجنون .. وما هى إلا لحظات حتى أقبلت فى خطواتها الهادئة تسير مقتربة من العربة، وقد رسمت على وجهها إبتسامة شكر وحادثته


· أشكرك على إنتظارى .. فقد توقعت أن تكون قد رحلت


ودخلت إلى المقعد الخلفى وجلست، ثم جلس هو الآخر فى مقعده ونظر إليها فى المرآة الأمامية قائلا


· لا شكر على واجب .. لقد أجزلت لى العطاء مرة، فلماذا لا أنتظر المزيد


وفهمت على الفور مقصده بأنه يذكرها أنها وعدته بما يريد .. فأجابته بإبتسامة الفهم ثم حولت عينيها إلى الطريق .. وكانت هذه آخر كلمات تبادلاها بعد أن فتح الراديو فإنبعث صوت فيروز " تيجى هاك البنت .. م البيت العتيق .. ويقلها انطرينى وتنطر عا الطريق .. ويروح وينساها وتدبل بالشتى .. حبيتك بالصيف .. حبيتك بالشتى .. نطرتك بالصيف .. نطرتك بالشتى .. وعيونك الصيف وعيونى الشتى .. ملآنة يا حبيبى .. خلف الصيف وخلف الشتى " .. تنفست عميقا وتاهت عيناها بين التفصيلات المارقة لجانبى الطريق .. بينما ظل هو ينظر إليها كل حين فى مرآته ويفكر


· يا إلهى .. إنها حقا لم تكن تنتظر أحدا .. لقد جاءت لمجرد المجىء .. فهدوءها وإبتسامتها لم يظهرا سخطا بسبب تخلف أحد عن ميعاده


إنما كانت سكينة فى نفسها وإبتسامة على شفتيها لم تستطيعا أن تمحوا الحزن العميق القابع فى عينيها اللتان حاولتا أيضا الإبتسام .. ذلك الحزن الذى رآه وضاعف من تساؤلاته .. ترى ماذا هناك .. وإستمرت نفسه اللحوح تلهبه بأسواط أسئلتها التى لن يجد عليها الإجابة يوما حتى إكتفى منها بذلك فنفض رأسه فى حركة مفاجئة جعلت " حور" تنظر إليه فى دهشة فنظر لها فى إعتذار صامت عادت على إثره لمتابعة الطريق من جديد .. بنفس الإبتسامة التى سكنت شفتيها .. مع إرتفاع ناظريها الى السماء فى تضرع المنتظر

هناك ٦ تعليقات:

zemos يقول...

امتياز مع مرتبة الشرف
ده فيلم قصيييير تحفة.. ياخد أوسكار... بس يتنفذ صح
:)

منى يقول...

فينك يا جين من مده
ايه الاحساس ده؟
ايه التفاصيل دى؟
باختصار نضج فنى
هايله والله
تحياتى

jeen يقول...

moro

احنا اتفقنا ان السيناريو خلاص بقى حق انتفاع ليك .. وقت بقى ما تفكر تقف ورا الكاميرا هتلاقيه موجود .. ويمكن تلاقى احسن منه .. مين عارف (:

jeen يقول...

منى

يا نهار يا نهار

انا موجودة والله بس الإنشغال بقى يا اختى

اى خدمة زورونا تجدوا ما يسركم .. احساس على تفاصيل على نضج .. يعنى كوليكشن معتبر

انتى تؤمرى

رئيس جمهوريه نفسى يقول...

من اروع ما يقرى فى نظرى الكلمات التى تقرى وتجبرك على السرحان وانتى فى مكانك وتبتدى تترجمى الكلمات فى صور بتمر قدام عنيكى بدل الكلمات وتسمعى الحوار بدل ما تقريه ودى كانت حالتى بالضبط من روعه الاحساس وسهول الكلمات المستخدمه
-------------------------------
على فكره البلوج القديم اتهكر واتحذف واتغير الرابط بتاع البلوج الى
www.raeys.blogspot.com

jeen يقول...

رئيس جمهورية نفسى

مش عارفة ارد لأنك قولت ورديت بمنتهى الذوق .. سعيدة جدا انى وصلت لوصف المشهد وتجسيد الصورة والصوت .. لأن منتهى أمنياتى ان القارىء لكتاباتى يحس انها بتتعاش حتى لو كانت مجرد خيال

تحياتى ليك .. ومنه لله اللى عمل الهاكر .. ولا أقولك .. ربنا يسامحه ويهديه .. وأكيد هكون زائرة مستديمة ان شاء الله للبلوج الجديد